فصل: موعظة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.موعظة:

عباد الله نحن في زمن لا نسيء إذا عددنا أهله من ضعفاء المتدينين الذي غلبت عليهم المداهنة، والتملق، والكذب، راجع حال السلف المؤمن حقًا وانظر حالنا اليوم، تعجب من الفرق المبين.
كان هذا المال بأيديهم بكثرةٍ، ومع ذلك لا يدور عليه الحول، لأنهم نصب أعينهم قوله تعالى: {وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ}، وقوله تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.
مطمئنين على قوله تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} كانوا إذا وصل إليهم المال يصيبهم قلق حتى يتصدقوا به على حد.
لأَشْكُرَنَّكَ مَعْرُوفًا هَمَمْتَ بِهِ ** إِنَّ اهْتِمَامَكَ بِالْمَعْرُوفِ مَعْرُوف

وَلا أَذُمُّكَ إِنْ لَمْ يُمْضِهِ قَدَرٌ ** فَالرَّزْقُ بِالْقَدَرِ الْمَحْتُوم مَصْرُوفُ

آخر:
لا تَيْأَسَنَّ إِذَا مَا ضِقْتَ مِنْ فَرَجٍ ** يَأْتِي بِهِ اللهُ فِي الرَّوْحَاتِ وَالدُّلَجِ

وَإِنْ تَضَايَقَ بَابٌ عَنْكَ مُرْتَتِجٌ ** فَانْظُرْ لِنَفْسِكَ بَابًا غَيْرَ مُرْتَتِجِ

فَمَا تَجَرَّعَ كَأْسَ الصَّبْرِ مُعْتَصِمٌ ** بِاللهِ إِلا أَتَاهُ اللهُ بِالْفَرَجِ

آخر:
قَالَتْ طُرَيْفَةُ لا تَبْقَى دَرَاهِمُنَا ** وَمَا بِنَا صَلَفٌ فِيهَا وَلا خَرَقُ

لَكِنْ إِذَا اجْتَمَعَتْ يَوْمًا دَرَاهِمُنَا ** ظَلَّتْ إِلَى طُرُقِ الْمَعْرُوفِ تَسْتَبِقُ

لا يَأْلَفُ الدِّرْهَمْ الْمَضْرُوبُ صُرَّتَنَا ** لَكِنْ يَمُرُّ عَلَيْهَا وَهُوَ مُنْطَلِقُ

آخر:
أَلَمْ تَرَى أَنَّ الْمَالَ يُهْلِكُ أَهْلَهُ ** إِذْ جَمَّ آتِيهِ وَسُدَّتْ طَرِيقُهُ

وَمَنْ جَاوَزَ الْمَاءَ الْغَزِيرَ مَسِيلُهُ ** وَسُدَّتْ مَجَارِي الْمَاءِ فَهُوَ غَرِيقُهُ

وجاء الإسلام ودار الندوة بيد حكيم بن حزام فباعها من معاوية بمائة ألف درهم فقال له عبد الله بن الزبير بعت مكرمة قريش، ذهبت المكارم إلا من التقوى يا ابن أخي إني اشتريت بها دارًا بالجنة أشهدك أني جعلت ثمنها في سبيل الله، تأمل سيرة الرجال الذين عرفوا الدنيا حقيقة لعلك تقتدي بهم فتربح الدنيا والآخرة.
وكانوا إذا عرض لهم أحد وأبدى لهم احتياجه يرون غفلتهم عنه من النقائض والعيوب الفاحشات على حد قول الشاعر:
وَتَرْكِي مُوَاسَاة الأَخِلاءِ بِالَّذِي ** تَنَالُ يَدِي ظُلْمٌ لَهُمْ وَعُقُوقُ

وَإِنِّي لأَسْتَحِيي مِن اللهِ أَنْ أُرَى ** بِحَالِ اتِّسَاعٍ وَالصَّدِيقُ مُضَيَّقُ

آخر:
خَلِيلٌ أَتَانِي نَفْعُهُ وَقْتَ حَاجَتِي ** إِلَيْهِ وَمَا كُلُّ الأَخِلاءِ يَنْفَعُ

آخر:
يَرَى الْمَرْءُ أَحْيَانًا إِذَا قَلَّ مَالُهُ ** مِنَ الْخَيْرِ أَبْوَابًا فَلا يَسْتَطِيعُهَا

وَمَا إِنْ بِهِ بُخْلٌ وَلَكِنَّ مَالَهُ ** يُقَصِّرُ عَنْهَا وَالْبَخِيلُ يُضِيعُهَا

أين هذا وأين حالنا اليوم وقد بخلنا بحق المال الزكاة وهي حق الفقراء والمساكين..... الخ.
وكانوا إذا فاتتهم تكبيرة الإحرام مع الأمام ربما غشي عليهم من ألم هذا المصاب العظيم وكانوا يعزون من فاتته تكبيرة الإحرام ومن باب أولى وأحرى من فاتته الجماعة أو الجمعة.
أين هذا من حالب مجتمعنا اليوم الذي ترى الكثير منهم يجافي عليه الباب ويشرب الشاي والدخان أبا الخبائث والناس يصلون.
وكثير من الذين يصلون مع الجماعة تجدهم يحرصون على الإتيان إذا ظنوا أنها أقيمت الصلاة ويقصدون النقارين الذين لا يتركون في الصلاة ولا يطمئنون فيها ولا يتمكن المأموم من قراءة الفاتحة التي لا صلاة لمن لم يقرأ بِهَا ولا يتمكن من الإتيان بالتشهد كاملاً.
فإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أنهم لا يفهمون الصلاة ولا المقصود منها ولو فهموها تماما لصارت قرة أعينهم ولا استراحوا بها واستعانوا بها على الدين والدنيا.
وكانوا أي السلف ممن يحن إلى بيت الله يتمتعون به في كل عام، ولذلك تعد لأحدهم أربعين حجة، وأزيد، أين هذا ممن يسافرون على بلاد الكفرة بلاد الحرية محكمة القوانين أعداء الإسلام وأهله، ويوالونهم بل ويدرسون عليهم والنبي صلى الله عليه وسلم قد تبرأ من المقيم بين أظهر المشركين إذا كان يقدر على الخروج من بين أظهرهم ولكن نسال اله العافية: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}.
ومع ذلك يبعثرون الفلوس العظيمة، التي سيناقشون عنها داخلة وخارجة ضد ما عليه آباؤهم من هجران من جاء من بلاد الكفر غير مهاجرٍ قال صلى الله عليه وسلم: «أنا بريء من مسلم بين أظهر المشركين». وقال: «من جامع المشركين وسكن معهم فإنه مثلهم». بلغ يا أخي من يدرسون على الكفار والعياذ بالله.
وكان السلف يشتاقون إلى الصيام، وبعضهم يصومون ستة أيام من شوال، وثلاثة من كل شهر، ويوم الاثنين والخميس، وبعضهم يصوم كصيام داود عليه السلام، يوم يصوم ويوم يفطر.
أما نحن فيا ليته يسلم لنا رمضان من المفسدات والمنقصات وهيهات، وكانت المساكن لا تهمهم يسكنون فيما تيسر.
عن مالك بن دينار أنه رجلاً يبني دارًا وهو يعطي العمال الأجرة فمد يده فأعطاه درهمًا فطرح الدرهم في الطين فتعجب الرجل وقال: كيف تطرح الدرهم في الطين.
فقال: أعجب مني أنت طرحت كل دراهمك في الطين يعني ضيعتها في البناء، ومر علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالعلا بن زياد فرأى سعة داره فقال له ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا وأنت إليها في الآخرة كنت أحوج.
وكان نوح عليه السلام في بيت من شعر ألف سنة فقيل له: يا رسول الله لو اتخذت بيتًا من طين تأوي إليه قال: أنا ميت فلم يزل فيه حتى فارق الدنيا. وقيل: إنه قال: بيت العنكبوت كثير من يموت.
أَرَى الزُّهَّادَ فِي رَوْحٍ وَرَاحَةْ ** قُلُوبُهُمُ عَنْ الدُّنْيَا مُزَاحَةْ

إِذَا أَبْصَرْتُهُمْ أَبْصَرْتَ قَوْمًا ** مُلُوكُ الأَرْضِ سِيمَتُهُمْ سَمَاحَةْ

وقال أبو هريرة: بئس بيت الرجل المسلم بيت العروس يذكر الدنيا وينسى الآخرة، وكان لشقيق البلخي خص يكون هو ودابته فيه فإذا غزا هدمه وغزا رجع بناه. بلغ يا أخي أهل الفلل والعمائر وقل عن قريب ستسكنون في مسكن ثلاث أذرع فقط ويسد عليكم فيه.
تَبْنِي الْمَنَازِلَ أَعْمَارٌ مُهَدَّمَةٌ ** مِنَ الزَّمَانِ بِأَنْفَاسٍ وَسَاعَاتِي

آخر:
أَمَّا بُيُوتُكَ فِي الدُّنْيَا فَوَاسِعَةٌ ** فَلَيْتَ قَبْرَكَ بَعْدَ الْمَوْتِ يَتَّسِعُ

السلف كانوا إذا سمعوا الموعظة، أو مروا بحدادٍ يوقد نارًا، صعقوا وربما مكثوا بلا وعي، أيامًا، أو أشهرًا متتالياتٍ، وقد سمعت بأناس قتلتهم المواعظ أما نحن فتتلى علينا الآيات من كتاب الله ولا كأنها مرت قلوبنا من الانهماك بالدنيا والغفلة أصبحت لا تؤثر فيها العظات.
كانوا يتعاونون على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويلتفتون كتلة واحدة ويأخذون على يد السفيه أما نحن فنثبط ونقول لمن يريد المساعدة ما أنت بملزم اتركهم.
السلف كانوا ينصحون أهل المعاصي، ويهجرونهم، إذا أصروا على المعاصي واو كانوا ممن لهم منزلة ومكانة في قلوب كثير من أهل الدنيا وكانوا لا تأخذهم في الله لومة لائم وهممهم عالية وأنفسهم رفيعة لا يخشون إلا لله لا يتملقون ولا يداهنون ولا يخضعون غلا لله، قال بعضهم:
يَا مَنْ خَلا بِمَعَاصِي اللهِ فِي الظُّلَمِ ** فِي اللَّوْحِ يُكْتَبُ فِعْلَ السُّوءِ بِالْقَلَمِ

بِهَا خَلَوْتَ وَعَيْنُ اللهِ نَاظِرَةُ ** وَأَنْتَ بِالإِثْمِ مِنْهُ غَيْرًُ مُكَتَتِمِ

فَهَلْ أَمِنْتَ مِنَ الْمَوَلَى عُقُوبَتَهُ ** يَا مَنْ عَصَى اللهَ بَعْدَ الشَّيْبِ وَالْهَرَم

آخر:
قَالُوا نَرَى نَقَرًا عِنْدَ الْمُلُوكِ سَمَوْا ** وَمَا لَهُمْ هِمَّةٌ تَسْمُوا وَلا وَرَعُ

وَأَنْتَ ذُو هِمَّةٍ فِي الْفَضْلِ عَالِيَةٍ ** فَلَمْ ظَمِئْتَ وَهُمَ فِي الْجَاهِ قَدْ كَرَعُوا

فَقُلْتُ بَاعُوا نُفُوسًا وَاشْتَروا ثَمَنًا ** وَصُنْتُ نَفْسِي فَلَمْ أَخْضَعْ كَمَا خَضَعُوا

قَدْ يُكْرَمُ الْقِرْدُ إِعْجَابًا بِخِسَّتِهِ ** وَقَدْ يُهَانُ لِفَرْطِ النَّخْوَةِ السَّبُعُ

هذا الذي كان من سلفنا الكرام نحو أهل المعاصي والمنكرات.
أما نحن فنتركهم ونقول ذنوبهم على جنوبهم، وربما جالسناهم، وواكلناهم، وعظمناهم، كما يسمع الكثير يقولون للمهاجر بالمعاصي كشارب الدخان، وحالق اللحية، ومستعمل آلات اللهو، يا معلم يا أستاذ يا سيد والواجب هجرة ليرتدع فإنا لله وإنا إليه راجعون.
عُرَى الأَعْمَارِ يَعْلُوهَا انْفِصَامُ ** وَأَمْرُ اللهِ مَا مِنْهُ اعْتِصَامُ

سَوَاءٌ فِي الثَّرَى مَلِكٌ وَعَبْدٌ ** ثِوَى النَّعْمَانُ حَيْثُ ثَوَى عِصَامُ

أَعِدَّ لِمَوْقِفِ الْعَرْضِ احْتِجَاجًا ** لَعَلَّكَ لَيْسَ يَقْطَعُكَ الْخِصَامُ

وَلا يَعْظُمْ سِوَى التَّفْرِيطِ خَطْبٌ ** عَلَيْكَ فَإِنَّهُ الْخَطْبُ الْعِظَامُ

ابِنْ لِي هَلْ تُبَارِزْ أَمْ تُوَلِّي ** إِذَا شَرَكْتَ بِكَ الْحَرْبُ الْعُقَامُ

وَلَمْ تَعْرَفْ وَقَدْ فَجِئَ انْتِقَالٌ ** أَغَفْرٌ لِلذُّنُوبِ أَمْ انْتِقَامُ

تَوَقَّ مِن السِّفَار عَلَى اغْتِرَارِ ** فَلَيْسَ لِسَاكِنِي الدُّنْيَا مَقَامُ

وَإِنَّ الْمَوْتَ لِلأَتْقَى شِفَاءٌ ** كَمَا أَنَّ الْحَيَاةَ لَهُ سَقَامُ

حَذارِ حَذَارِ إِنَّكَ فِي بِحَارٍ ** مِنَ الدُّنْيَا طَمَتْ فَلَهَا التِّطَامُ

وَتَعْلَمُ أَنَّهَا تُرْدِي يَقِينًا ** وَمِنَّا فِي غَوَارِبِهَا اقْتِحَامُ

وَإِنَّ مِنَ الْعَجَائِبِ أَنْ أَمَرَّتْ ** مَوَارِدُهَا وَإِنْ كَثُرَ الزِّحَامُ

آخر:
هُوَ الزَّمَانُ فَلا عَيْشٌ يَطِيبُ بِهِ ** وَلا سُرُورٌ وَلا صَفْوٌ بِلا كَدَرِ

يَجْنِي الْفَتَى فَإِذَا لِيمَتْ جَنَايَتُهُ ** أَحَال مِنْ ذَنْبِهِ ظُلْمًا عَلَى الْقَدَرِ

وَكُلُّ يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ يُعْجِبُنَا ** فَإِنَّمَا هُوَ نُقْصَانٌ مِنَ الْعُمُر

والله أعلم. وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم.

.فصل فيمن يغلب على قلبه عند الموت حب شهوة من شهوات الدنيا:

ومن الناس من يغلب على قلبه عند الموت حب شهوة من شهوات الدنيا فيكون استغراق قلبه صارفًا وجهه إلى الدنيا.
فإن اتفق قبض الروح حالة غلبة الدنيا فالأمر خطير لأن المرء يموت على ما عاش عليه كما انه يبعث على ما عاش عليه ولا يمكن اكتساب صفة أخرى للقلب تضاد الصفة التي غلبت عليه لأن ذلك بالأعمال الصالحات وقد انقطع بالموت ولا أمل بالرجوع إلى الدنيا ليتدارك ذلك وعند ذلك تعظم الحسرة.
ويشد الندم وكم غرت الدنيا من مخلد إليها وصرعت من مكب عليها فلم تنعشه من عثرته ولم تنقذه من صرعته ولم تشفه من ألمه ولم تبرئه من سقمه.
بَلَى أَوْرَدَتْهُ بَعْدَ عِزٍّ وَمَنْعَةٍ ** مَوَارِدَ سُوءٍ مَا لَهُنَّ مَصَادِرُ

فَلَمَّا رَأَى أَنْ لا نَجَاةَ وَأَنَّهُ ** هُوَ الْمَوْتُ لا يُنْجِيهِ مِنْهُ التَّحَاذُرُ

تَنَدَّمَ إِذْ لَمْ تُغْنِ عَنْهُ نَدَامَةٌ ** عَلَيْهِ وَأَبْكَتْهُ الذُّنُوبُ الْكَبَائِرُ

آخر:
في التحذير عن الدنيا:
أَمُّ دَفْرٍ فِي غُرُورٍ تَتْجَلي ** كَعَرُوسٍ زَيَّنَتْهَا مُسْرِفَاتْ

تَخْدَعِ الْغِرَّ وَعَنْهَا يَرْعَوِي ** عَارِفٌ يَسْمُو بِإِشْرَاقِ الصِّفَاتْ

ابْتَعدْ مَا عِشْتَ عَنْ زِينَاتِهَا ** وَالْزَمِ التَّقْوَى إِلَى يَوْمِ الْوَفَاةْ

آخر:
يسَرَّ الْفَتَى بِالْعَيْشِ وَهُوَ مُبِيدُهُ ** وَيَغْتَرُّ بِالدُّنْيَا وَمَا هِيَ دَارُهُ

وَفِي عِبرِ الأَيَّامِ لِلْمَرْءِ وَاعِظٌ ** إِذَا صَحَّ فِيهَا فِكْرهُ وَاعْتِبَارُهُ

فَلا تَحْسَبنْ يَا غَافِلُ الدَّهْرِ صَامِتًا ** فَأَفْصَحُ شَيْءٍ لَيْلُه وَنَهَارُهُ

أَصِخْ لِمُنَاجَاةِ الزَّمَانِ فَإِنَّهُ ** سَيُغْنِيكَ عَنْ جَهْرِ الْمَقَالِ سِرَارُهُ

أَدَارَ عَلَى الْمَاضِينَ كَأْسًا فَكُلُّهُمْ ** أُبِيحَتْ مَغَانِيهِ وَأَقْوَتْ دِيَارُهُ

وَلَمْ يَحْمِهم مِنْ أَنْ يُسَقَّوْا بِكَأْسِهِمْ ** تَنَاوُشُ أَطْرَافِ الْقَنَا وَاشْتِجَارُهُ

آخر:
أَحَاطَتْ بِهِ أَحْزَانُهُ وَهُمُومُهُ ** وَأَبَلَسَ لَمَّا أَعْجَزَتْهُ الْمَقَادِرُ

فَلَيْسَ لَهُ مِنْ كُرْبَةِ الْمَوْتِ فَارِجٌ ** وَلَيْسَ لَهُ مِمَّا يُحَاذِرُ نَاصِرُ

وَقَدْ جَشَأَتْ خَوْفَ الْمَنِيَّةِ نَفْسُهُ ** تُرَدِّدُهَا مِنْهُ اللَّهَا وَالْحَنَاجِرُ

ولهذا سببان أحدهما كثرة المعاصي والآخر ضعف الإيمان وذلك أن مقارفة المعاصي من غلبة الشهوات ورسوخها في اللب بكثرة الإلف والعادة، وكل ما ألفه الإنسان في عمره يعود ذكره إلى قلبه غالبا عند الموت.
فعليك بالإكثار من ذكر الله، وتلاوة كتابه، والاستغفار من الذنوب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم القوي العزيز.
لَوْ يَعْلَمُ الْعَبْدُ مَا فِي الذِّكْرِ مِنْ شَرَفٍ ** أمِضَى الحَيَاةَ بَتَسْبِيْحٍ وَتَهْليْل

آخر:
وَمَنْ عَرَفَ الأَيَّامَ مَعْرِفِتْي بِهَا ** وَبِالنَّاسِ أَمْضَى وَقْتَهُ فِي الْعِبَادَةِ

وَأَعْرَضَ عَنْ قِيلَ وَقَالٍ وَجَلْسَةٍ ** مَعَ الْمُشْغِلِي أَوْقَاتِهِمْ فِي الْمَضرَّةِ

وَأَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ الإِلَهِ وَحَمْدِهِ ** وَشُكْرٍ لَهُ وَقْتَ الْهَنَا وَالْمَسَاءَة

فإن كان ميله إلى الطاعات أكثر كان أكثر ما يحضره غالبا ذكر الله وطاعته وإن كان إلى المعاصي أكثر غلب ذكرها على قلبه عند الموت فربما تفيض روحه عند غلبة معصية من المعاصي فيتقيد بها قلبه ويذهل عن الله وحسن الظن به لاشتغاله بما تقيد به نسال الله العافية.
فالذي غلبت طاعته على معاصيه بعيد عن هذا الخطر بإذن الله، والذي غلبت عليه المعاصي وكان قلبه بها افرح من الطاعات يخشى عليه وخطره عظيم جدا.
ومن أراد السلامة من ذلك فلا سبيل له إلا المجاهدة والصبر طول العمر في فطام نفسه عن الشهوات محافظة على القلب منها ويكون طول عمره مواظبًا على الأعمال الصالحة مكثرًا لذكر الله قائمًا وقاعدًا ومضجعًا وماشيًا وان كان يحفظ القرآن وشيئًا منه فليداوم عليه بتدبرٍ وتفهمٍ ليستفيد حفظًا وفهمًا وأجرًا.
وتخلية الفكر عن الشر عدة وذخيرة لحالة سكرات الموت وشدائده فإن المرء يموت على ما عاش عليه ويحشر على ما مات عليه.
ويعرف ذلك أي أن ما ألفه طول عمره يعود ذكره عند الموت بمثالٍ، وهو أن الإنسان لا شك انه يري في منامه من الأحوال التي ألفها طول عمره فالذي قضي عمره في طلب العلم يرى من الأحوال المتعلقة بالعلم والعلماء ورؤيته بعضهم وبعض كتب العلم والذي قضى عمره في النجارة يرى من الأحوال المتعلقة بها.
والذي قضى عمره في الخياطة يرى من الأحوال المتعلقة بالخياطة والخياط والذي قضى حياته في الفلاحة يرى الأحوال المتعلقة بالفلاحة والفلاحين.
والذي قضى عمره في الفساد والفجور يرى في منامه الأحوال المتعلقة بالفجور ويرى الفسقة مثله وأعمالهم من لواط أو زنا أو سرقة أو مسكر أو دخان أو نحو ذلك من المحرمات وقس على ذلك باقي الأعمال.
ووجه ذلك انه إنما يظهر في حالة النوم ما حصل له مناسبة مع القلب بطول الإلف أو بسبب آخر من الأسباب والله اعلم والموت شبيه بالنوم ولكنه فوقه ولكن سكرات الموت وما يتقدمه من الغشية قريب من النوم فربما اقتضى ذلك تذكر مألوفة وعوده إلى القلب وأحد الأسباب المرجحة لذلك أي ذكره في القلب طول الألف لذلك.
إذا فهمت ذلك فاحذر كل الحذر أن تكون ممن قتلوا أوقاتهم في مقابلة التلفزيون والسينما والمذياع والبكمات والصور ونحو المنكرات المحرمات واحذر تعاطيها بيعا أو شراء فتخسر وقتك ومالك، ونسأل الله السلامة منها ومن جميع المحرمات.
ولذا نقل عن بقال أنه كان يلقن عند الموت كلمتي الشهادة فيقول خمسة ستة أربعة فكان مشغولا بالحساب الذي طال إلفه له فغلب على لسانه ولم يوفق للشهادتين ويخشى على صاحب المعاصي والمنكرات ومتخذي آلات اللهو من شطرنج وأعواد وأوراق لعب وبكماتٍ وأسطواناتٍ وكرةٍ ومذياعٍ وتلفزيون وسينما وصورٍ ونحو ذلك أن يكون مشغولاً بها في آخر لحظة من حياته فيكون ختام صحيفة ما نطق به لسانه مما يأتي فيها من أغاني وتمثيلياتٍ وصور وفديو ونحوه من المنكرات والمحرمات نعوذ بالله من سوء الخاتمة.
اللهم وفقنا للاستعداد لما أمامنا، اللهم وقي أيماننا بك وبملائكتك وبكتبك وبرسلك واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، اللهم نور قلوبنا واشرح صدورنا ووفقنا لما تحبه وترضاه وألهمنا ذكرك وشكرك وأعذنا من عدوك واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قَدْ آنَ بَعْدَ ظَلامِ الْجَهْلِ إِبْصَارِي ** الشَّيْبُ صُبْحٌ يُنَاجِينِي بِإِسْفَارِ

لَيْلُ الشَّبَابِ قَصِيرٌ فَاسْرِ مُبْتَدِرًا ** إِنَّ الصَّبَاح قُصَارَى الْمُدْلِجَ السَّارِي

كَمْ اغْتِرَارِي بِالدُّنْيَا وَزُخْرُفِهَا ** أَبْنِي بِنَاهَا عَلَى جُرْفٍ لَهَا هَارِي

وَوَعْدِ زُورٍ وَعَهْدٍ لا وَفَاءَ لَهُ ** تَعَلَّمَ الْغَدْرَ مِنْهَا كُلُّ غَدَّارِ

دَارٌ مَآثِمُهَا تَبْقَى وَلَذَّتُهَا ** تَفْنَى أَلا قُبِّحَتْ هَاتِيكَ مِنْ دَارِ

فَلَيْتَ إِذْ صَفِرَت مِمَّا كَسَبْتَ يَدِي ** لَمْ تَعْتَلِقْ مِنْ خَطَايَاهَا بِأَوْزَارِ

لَيْسَ السَّعِيدُ الَّذِي دُنْيَاهُ تُسْعِدُهُ ** إِنَّ السَّعِيدَ الَّذِي يَنْجُو مِنَ النَّار

والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وسلم.